فوائد عيادة الـمريض للعائد وللمعود - الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله

Поделиться
HTML-код
  • Опубликовано: 8 окт 2024
  • من هَدي الرَّسول ﷺ عيادة الـمرضى، لأنَّه عاد سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه، وفي عيادة الـمرضى فوائد للعائد وفوائد للمعود، أمَّا العائد فإنه يؤدِّي حقَّ أخيه الـمُسلم؛ لأنَّ من حقِّ أخيك الـمُسلم أن تعوده إذا مرض، ومنها: أنَّ الإنسان إذا عاد الـمريض فإنَّه لا يزال في مخرفة الجنَّة، يعني يجني ثمار الجنَّة حتَّى يعود، ومنها: أنَّ في ذلك تذكيرًا للعائد بنعمة الله عليه بالصِّحة، لأنَّه إذا رأى هذا الـمريض، ورأى ما هو فيه من الـمرض، ثمَّ رجع إلى نفسه، ورأى ما فيها من الصِّحة والعافية عرف قدر نِعمة الله عليه بهذه العافية؛ لأنَّ الشَّيء إنَّما يُعرف بضده، ومنها: أنَّ فيها جلبًا للمودَّة والـمحبَّة، فإنَّ الإنسان إذا عاد الـمريض صارت هذه العيادة في قلب الـمريض دائمًا، يتذكَّرها، وكلَّما ذكرها أحبَّ الذي يعوده، وهذا يظهر كثيرًا فيما إذا برأ الـمريض، وحصلت منه مُلاقاة لك تجده يتشكَّر منك، وتجد أنَّ قلبه ينشرح بهذا الشيء، أمَّا الـمعود: فإنَّ له فيها فائدة أيضًا، لأنَّها تؤنسه، وتشرح صدره، ويزول عنه ما فيه من الهمِّ والغمِّ والـمرض، وربَّما يكون العائد موفَّقًا يُذكِّره بالخير والتَّوبة والوصيَّة؛ إذا كان يريد أن يُوصي بشيء عليه من الدِّيون وغيرها، فيكون في ذلك فائدة كبيرة للمعود، ولهذا قال العلماء: ينبغي لـمن عاد الـمريض أن ينفس له في أجله؛ أي: يفرحه يقول: ما شاء الله، أنت اليوم في خير وما اشبهه، وليس لازماً أن يقول له: أنت طيِّب مثلاً؛ لأنَّه قد يكون اشدُّ مرضاً من أمس، لكن يقول أنت اليوم في خير، لأنَّ الـمؤمن كُلّ أمره خير، إن أصابه ضرَّاء فهو في خير، وإن أصابه سرَّاء فهو في خير، فيقول: اليوم أنت بخير والحمد لله، وما أشبه ذلك مِمَّا يُدخل عليه السُّرور، والأجل محتوم، إن كان هذا الـمرض أجله مات، وإن كان بقي له شيء من الدُّنيا بقي، وينبغي أيضاً أن يذكِّره التُّوبة، لكن لا يقول له ذلك بصفة مباشرة؛ لأنَّه ربَّما ينزعج، ويقول في نفسه لو أن مرضي غير خطير ما ذكَّرني بالتَّوبة، لكن يبدأ بذكر الآيات والأحاديث الَّتي فيها الثَّناء على التَّائبين ما يتذكَّر به الـمريض، وينبغي كذلك أن يذكِّره الوصيَّة، لا يقول له: أوص فإنَّ أجلك قريب، لو قال هكذا انزعج، بل مثلاً: يذكِّره بقصص واردة عليه، يقول مثلاً فلان كان عليه دين، وكان رجلاً حازماً، وكان يُوصي أهله بقضاء دينه، وما أشبه ذلك من الكلمات الَّتي لا ينزعج بها، قال أهل العِلم: ينبغي أيضاً إذا رأى منه تشوُّفاً إلى أن يقرأ عليه؛ فينبغي أن يقرأ عليه، ينفث عليه بما ورد عن النَّبيِّ ﷺ، مثل قوله: (أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا)[رواه البخاري]، ومثل قوله: (رَبُّنَا اللهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ تَقَدَّسَ اسْمُكَ، أَمْرُكَ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ، كَمَا رَحْمَتُكَ فِي السَّمَاءِ فَاجْعَلْ رَحْمَتَكَ فِي الأَرْضِ، اغْفِرْ لَنَا حُوبَنَا وَخَطَايَانَا، أَنْتَ رَبُّ الطَّيِّبِينَ، أَنْزِلْ رَحْمَةً مِنْ رَحْمَتِكَ، وَشِفَاءً مِنْ شِفَائِكَ عَلَى هَذَا الْوَجَعِ فَيَبْرَأُ)[ رواه أبو داود]، أو يقرأ عليه بسورة الفاتحة؛ لأنَّ سورة الفاتحة رقية يُقرأ بها على الـمرضى، وعلى الذين لدغتهم العقرب، أو الحيَّة، أو ما أشبه ذلك، فمتى رأى العائد من الـمريض أنَّه يحب أن يقرأ عليه فليقرأ لِئلَّا يُلجئ الـمريض على طلب القراءة، لأنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ) قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ (هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[رواه مسلم]، فقوله: (لَا يَسْتَرْقُونَ) أي: لا يطلبون أحداً يقرأ عليهم، فأنت إذا رأيته يتشوَّق لتقرأ عليه، اقرأ عليه، لِئلَّا تحرجه إلى طلب القراءة، كذلك أيضاً إذا رأيت أنَّ الـمريض يُحبُّ أن تطيل الـمقام عنده، فأطل الـمقام؛ فأنت على خير وعلى أجر، فأطل الـمقام عنده، وأدخل عليه السُّرور، ربَّما يكون في دخول السُّرور على قلبه سبباً لشفائه؛ لأنَّ سرور الـمريض وانشراح صدره من أكبر أسباب الشفاء، فإذا رأيت أنَّه يحبك تبقى فابق عنده، وأطل الجلوس عنده حتَّى تعرف أنَّه قد مل، أمَّا إذا رأيت أنَّ الـمريض مُتكلِّف ولا يحبُّ أنَّك تبقى، أو يحبُّ أن تذهب عنه حتَّى يحضر أهله ويأنس بهم فلا تتأخَّر، اسأل عن حاله ثمَّ انصرف.
    [شرح رياض الصالحين].

Комментарии •