إن شواء ونشوة | سلمي بن ربيعة الضبي | مما يستعان به على نوائب الدهر | مع شرح محمود شاكر

روايةُ القصيدةِ والشرحُ لشيخ العربية محمود شاكر رحمه الله
من كتابه: أباطيل وأسمار.
(شرح أبيات سلمي بن ربيعة الضبي"
"سُلْمِيُّ بن ربيعة بن زَبَّان بن عامر بن ثعلبة" من بني ضبَّة، شاعر جاهلي قديم، ترجمته عزيزة. ووجدت له من الولد "أُبيُّ بن سُلْميّ بن ربيعة" و"غُوَيَّةَ ابن سُلْميّ" وكان شاعرا، رثا أخاه أُبيًّا. فمن وَلَدِ "أُبيّ" في الإسلام "يعلي بن عامر بن سالم بن أبيِّ بن سُلميّ بن ربيعة"، كان على خِراجِ الريّ وهمدان والماهين، على عهد المنصور أو المهديّ فيما أُرَجّح. ومن ولده "المفضل بن محمد بن يعلى بن عامر الضبيّ" الراوية. ومن ولد "غوية بن سلمي" "سلمي بن غوية بن سلمي بن عامر الضبيّ" جاهليٌّ، كان شاعرا، وله أبياتٌ جيادٌ جدا، وأخوه "قُراد ويقال قُران، بن غُوَيَّةَ بن سُلْميّ بن ربيعة"، جاهليٌّ أيضا، وكان شاعرا.
إنَّ شِوَاءً ونَشْوَةً
وَخَبَبَ الْبازِلِ الأمُونِ
"النشوة" أول ما يجد الشارب من نفحة السُكْر، وأقامها مقام ذكر الخمر،
وإذا استوت الناقة (أو البعير) وتناهت قوَّتُها وتجربتُها، وفَطَرَ نابُها (أي انشق عنه اللحم)
وطعنت في التاسعة من عمرها فهي "بازل"، و"الأمون" هي الأمينةُ موثوقةُ الخَلْق،
التي يؤمن عِثارُها وكلالُها، و"الخَبَب" ضرْبٌ من العدو السريع.
يُجْشِمُهَا الْمرْءُ في الْهَوَى
مَسَافَةَ الغَائِطِ الْبَطِينِ
"يُجْشِمُها" أي يكَلّفها ركوبَ المشقةِ في قطع المسافة البعيدة، "في الهوى" أي في سبيل لذاته وهواه،
من صيد وطرد ، و"الغائط" الأرض المنخفضة المطمئنة، ينزل بها المطر فتكثر فيها الرياض،
ترعاها الغزلان والبقر وحُمُر الوحش، فيطيب فيها الصيد، و"البطين" الواسع البعيد الممتد من نواحيه.
والْبِيضَ يَرْفُلَنْ كالدُّمَى
فِي الرَّيْطِ وَالمُذْهَبِ المَصُونِ
و"البيض" يعني عقائل النساء، نقيَّاتُ العِرْض من الدنس والعيوب، لكرَمِهنَّ وحسبهنَّ،
ولا يعنون بياض اللون، فإذا أرادوا بياض اللون ونقائه قالوا "بيض الوجوه" بالإضافة، "يرفلن" يتبخترن يَمْشينَ ويجررن أذيالهنَّ حِسانَ المشي من التيه، و"الدمى" جمع "دمية" وهي الصورة المنقشوة في العاج ونحوه، يُبالَغُ في تحسينها وجمالها وملاستها، و"الريط" جمع "ريطة" وهي مُلاءَةٌ من قطعة واحدة، تكون من نسج لين دقيق، وربما كان فيها التصاوير، و"المذهب المصون" الثياب الفاخرة المطرزة بالذهب، التي يُضَنُّ بها وتصان من الأبتذال.
وَالْكُثرَ وَالْخفْضَ آمِناً
وَشِرَعَ المِزْهَرِ الْحَنُونِ
و"الكُثْرَ" الغنى وكثرة المال، وضده "القُلّ" وهو الفقر وقلة المال، و"الخفض" لين العيش وسعته
في دَعَةٍ وخِصْب، "آمنًا" يعني آمنا من الغوائل، مطمئنَّ القلب خاليه، و"المِزَهَرُ" العُود،
و"الشِرَع" جمع "شِرْعة" وهي الوتر المشدود على العود،
و"الحنون" الذي إذا ضُربَ جاء صوته رقيقا حزينا يملأ القلب شوقا ويحرك أشجانه.
مِنْ لَذَّةِ الْعَيْشِ وَالْفَتَى
لِلدَّهرِ وَالدَّهرُ ذُو فُنُونِ
يقول: النُدماءُ، والخروج للصيد، وعقائل النساء الرافلات في الريط، والغنى، والسعة، والدعة، ومجالس اللهو،
كل ذلك: "من لذَّةِ العيش"، ونصيب المرء المختلسِ من نِعَمِ الحياة، وصواب قراءة هذا الشعر أن تقرأه متتابعا،
ثمَّ تَقِفَ على منتهى "من لذَّةِ العيش" وقفةً طويلةً،
ثمَّ يستأنف خبرا جديدا عن عاقبة هذه الحياة التي تنال طيباتها اختلاسا، فيقول: "والفتى للدهر" أي غَرَضٌ له، يرميه بنوائبه، و"الدهر ذو فنون" أي ذو أحوال مختلفة، لا يدوم على أمرٍ واحد.
وَالْيُسرُ للعُسْرِ وَالغِنى
للْفَقْرِ وَالْحَيُّ لِلْمنُونِ
و"اليُسْرُ للعُسْرِ" يعني أن ذلك لا يدوم، بل مصيره إلى نقيضه،
و"المنون" حتوف الموت، وهي المنايا والمهالك.
ويُروى هذا البيت "واليُسرُ كالعسْرِ والغنى كالعُدْمِ، والحيُّ للمنون"
أهْلَكْنَ طَسْماً وَبعْدَهُ
غذِيَّ بَهْمٍ وذَا جُدُونِ
"طسم" و"جديس" قبيلتان من عاد، من العرب الأُوَلِ، كان لهم مُلْكٌ وغلبة، فبادوا وانقرضوا،
و"غذِيَّ بهم" أحد أملاك حِمْير، كان يُغْذى بلحوم البهم، وهي أولاد الضأن الصغار،
وذلك من الترفه ولين العيش، و"ذو جدون" أراد "ذا جَدَن"هو "عَلَسُ بنُ يَشْرُحَ بنِ الحارث بن صيفيّ بن سبأ" جدَّ بلقيس، وهو أول من غنَّى باليمنِ، و"الجَدَن" حُسْنُ الصوت، فلذلك لُقّبَ "ذا جَدَن"
وَأهْلَ جَاشٍ ومَأْرِبٍ
وَحيَّ لُقْمانَّ وَالتَّقُونِ
"جاش" موضع باليمن تلقاء مَأرِب، في ديار مذحجٍ، و"لقمان" هو صاحب النسور،
وتَنْسُبُه الشعراء إلى عاد، يقولون "لقمان بن عاد" وهو غير لقمان الذي ذكره الله في كتابه،
و"التَّقون" جمع "تِقْن" يعني أبناء "تِقْن بن عاد"، بادوا في الزمن الأول.

[@user-iy5oh6er6f]

❤

[@user-iy5oh6er6f]

يا ريت لو تشرح في فيديو بصوت حضرتك

[@mohamed-magdy-issa]

ربما أفعل في المستقبل إن شاء الله. :)