شاهد كيف يحكم الزعماء شعوبهم (سيكولوجية الجماهير) مع صلاح عبدالجابر العربي

Поделиться
HTML-код
  • Опубликовано: 22 окт 2024
  • كيف يحكم الزعماء شعوبنا (سيكولوجية الجماهير) مع الدكتور صلاح عبدالجابر العربي
    إن الانقلابات الكُبري التي تسبق عادةً تبديل الحضارات تبدو وكأنها محسومة من قِبَل تحولات سياسية ضخمة، ولكن الدراسة المتفحّصة لهذه الظواهر تكشف أن السبب الحقيقي هو التغيّر العميق الذي يصيب أفكار الشعوب. إن الأحداث الضخمة التي تَتَناقلها كتب التاريخ ليست إلا نتاجًا للمتغيرات اللامَرئيّة التي تصيب عواطف البشر. إن الفترة الحالية هي فترة التحوّل والتبدّل ويشكّل جذرها عاملان أساسيان هما: هدم المعتقدات الدينية والسياسية والاجتماعية، وخلق شروط جديدة كُليًّا بالنسبة للوجود والفكر. إن العصر الحديث يُمثّل فترة انتقالية وفوضوية وليس من السهل التنبؤ بما سيتولد عنها مستقبلًا.
    وفي الوقت الذي راحت فيه كل عقائدنا القديمة تتهاوَي، وأخذت الأعمدة القديمة تتساقط واحدًا بعد الآخر، نجد أن (نضال الجماهير ) هو القوة الوحيدة التي لا يستطيع أن يهدّدها أي شيء. إن العصر الذي ندخل فيه الآن هو بالفعل (عصر الجماهير )؛ فلم تعد مقادير الأمم تُحسم في مجالس الحكّام، وإنما في روح الجماهير. لقد وُلِدت قوة الجماهير عن طريق نشر بعض الأفكار التي زُرِعت في النفوس بشكل بطيء، ثم بواسطة التجميع المتدرج للأفراد من خلال الروابط والجمعيات، وقد أتاح هذا التجمّع للجماهير أن تُبلور أفكارها، ثم راحت تشكل النقابات وبورصات العمل، وأرسلت مندوبين عنها للمجالس الحكومية.
    إن بناء أي حضارة يتطلب قواعد ثابتة، ونظامًا مُحددًا، والمرور من مرحلة الفطرة إلى مرحلة العقل، والقدرة على استشراف المستقبل، ومستوىً عاليًا من الثقافة، وكل هذه العوامل غير متوافرة لدى الجماهير؛ فالجماهير بواسطة قوتها التدميرية تمارس عمل الجراثيم التي تساعد على انحلال الأجسام الضعيفة أو الجثث؛ فَمَعرفة نفس الجماهير تُشكِّل المصدر الأساسي لرجل الدولة الذي يريد ألا يُحكم كُليًا من قِبَلها؛ فكل الزعماء ورجال الدولة العظام كانوا علماء نفس على غير وعيٍ منهم؛ فـ (نابليون بونابرت ) - مثلًا - كان ينْفُذُ بشكلٍ رائع إلى أعماق نفسية الجماهير، ونفسية الجماهير تبين لنا إلى أي مدى تبدو عاجزة عن تشكيل رأيٍ شخصي ما عدا الآراء التي لُقِّنَت لها؛ فالضريبة الأكثر ظُلمًا يمكن أن تكون الأفضل عَمَليًّا بالنسبة للجماهير إذا كانت الأقل مرئية والأقل ثِقلًا من حيث المظهر؛ فالبشر لا يتصرفون أبدًا انطلاقا من مبادئ العقل النظري البحت.
    2- الخصائص العامة للجماهير
    إن كلمة (جمهور ) تعني في معناها العادي تجمّعًا لمجموعة من الأفراد، أيًّا كانت هويتهم، ولكن من وجهة النظر النفسية؛ ففي بعض الظروف المعينة يمكن لِتَكَتُّل من البشر أن يمتلك خصائص جديدة تختلف عن خصائص كل فرد يشكله، عندئذٍ تتشكل روح جماعية، عابرة ومؤقتة وهو ما سأدعوه (الجمهور المنظم، أو الجمهور النفسي )، ويصبح خاضعًا لقانون (الوحدة العقلية للجماهير ).
    ومن الخصائص النفسية للجماهير: تلاشِي الشخصية الواعية، وهَيْمَنَة الشخصية اللاواعية، وتَوَجُّه الجميع ضمن نفس الخط بواسطة التحريض والعدوى للعواطف والأفكار، والـمَيْل لتحويل الأفكار المـُحرَّض عليها إلى فعل وممارسة مباشرة. وهكذا لا يعود الفرد هو نفسه، وإنما يصبح إنسانًا آليًّا ما عادت إرادته بقادرة على أن تقوده.
    إن الجمهور هو أدنى مرتبة من الإنسان المُفْرَد فيما يخص الناحية العقلية والفكرية، ولكن يمكن لهذا الجمهور أن يسير نحو الأفضل، وهذا يعتمد على الطريقة التي يتم تحريضه بها، صحيح أنها بطولات لا واعية إلى حد ما، ولكن التاريخ لا يُصنع إلا من قِبَل بطولات كهذه.
    إن الجماهير تشبه الأوراق التي يلعب بها الإعصار ويُبَعْثرها في كل اتجاه، وهذه الصفة تجعل من الصعب حُكمها، ولولا ضرورات الحياة اليومية والتي تُشكّل نوعًا من الميزان الناظم غير المرئي للأحداث لما استطاعت الأنظمة الديمقراطية أن تستمر، وفي كل الخصائص النفسية للجماهير يتدخل (العِرْق )؛ فهناك فارق بين الجمهور اللاتيني والجمهور الأنجلوساكسوني؛ فالجماهير أُنثوية في كل مكان، ولكن أكثرها أُنثوية هي الجماهير اللاتينية.
    إن الجمهور غير قادر على الاحتكام للعقل ومحروم من كل روح نَقْديّة؛ ولذلك فإنَّه يُبدِي سرعة تصديق منقطعة النظير، وكذلك قدرة هائلة على التضخيم والتشويه، وينتج عن ذلك أنه ينبغي أن نعتبر كُتُب التاريخ بمثابة كُتُب الخيال الصِّرْف؛ فهي عبارة عن حكايات وهْميَّة عن وقائع لُوحِظت بشكل رديء، كما أنها مصحوبة بتأويلات شُكِّلت فيما بعد.
    إن الجماهير لا يمكن تحريكها والتأثير عليها إلا بواسطة العواطف المتطرّفة والشعارات العنيفة، وكذلك التكرار دون إثبات أي شيء عن طريق المُحاجّة العقلانية، والجماهير لا تعرف إلا العواطف البسيطة والمتطرفة؛ فالاستبداد والتعصب يشكِّلان بالنسبة للجماهير عواطف واضحة جدًا وهي تحتملها بنفس السهولة التي تمارسها، وبما أن الجماهير مستعدة دائمًا للتمرد على السلطة الضعيفة فإنها لا تحني رأسها بخضوع إلا للسلطة القوية، وإن كانت هيبة السلطة متقطّعة فإنها تعود إلى طباعها المتطرّفة، وتنتقل من الفوضى إلى العبودية، ومن العبودية إلى الفوضى.
    إن الاعتقاد بهيمنة الغرائز الثورية على الجماهير يعني الجهل بِنَفسيّتها؛ فانفجارات الانتفاضة والتدمير التي تحصل من حين لحين ليست إلا ظواهر عابرة؛ فإذا ما تُركت لنفسها فإنها تملّ من الفوضى وتتجه بالغريزة نحو العبودية، صحيح أن الجماهير تقوم بثورات لتغيير أسماء مؤسساتها، ولكنها - في الوقت ذاته - تشعر باحترام تجاه هذه المؤسسات ومضمونها؛ فتجدها تعود إليها في نهاية المطاف. والتأثير على الفرد الـمُنخَرِط في الجمهور يتم بالتركيز على عواطف المجد والشرف والدين والوطن؛ لذا فالجماهير قادرة على أرفع أنواع الأخلاقية.
    منصة إعلامية تثقيفية رقمية شاملة
    فريق متكامل يسعى لإثراء المحتوى العربي وزيادة الرصيد المعرفي لدى المواطن العربي على اليوتيوب

Комментарии • 1

  • @Alybabaaboamr
    @Alybabaaboamr  8 месяцев назад

    نرحب بجميع تعليقاتكم وارائكم حول الفيديو