الوحدة و محمود درويش | لم أَرَ لي أَثَراً .. سأمشي بنفسي إلى المقبرةْ

Поделиться
HTML-код
  • Опубликовано: 11 фев 2025
  • كما لو فَرِحتُ: رجعت. ضغطتُ على
    جرس الباب أكثرَ من مرّةٍ, وانتظرتُ....
    لعلِّى تأخرتُ. لا أَحَدٌ يفتح الباب, لا
    نأمةٌ في الممرِّ.
    تذكرتُ أَن مفاتيح بيتي معي، فاعتذرتُ
    لنفسي: نسيتُك فادخلْ
    دخلنا... أنا الضيف في منزلي والمضيف.
    نظرتُ إلى كل مُحْتَويات الفراغ ’فلم أَرَ
    لي أَثَراً, ربما... ربما لم أكن ههنا. لم
    أَجد شَبَهاً في المرايا. ففكَّرْتُ: أَين
    أنا, وصرخت لأوقظ نفسي من الهذيان،
    فلم أَستطع ... وانكسرتُ كصوتٍ تَدَحرَجَ
    فوق البلاط. وقلت : لمازا رجعت إذاً؟
    واعتذرت لنفسي: نسيتُكَ فاخرجْ!
    فلم أَستطع. ومشيت إلى غرفة النوم,
    فاندفع الحلم نحوي وعانقني سائلاً:
    هل تغيَّرتَ؟ قلت تغيّرتُ، فالموتُ
    في البيت أفضلُ من دَهْسِ سيَّارةٍ
    في الطريق إلى ساحة خالية!
    ..
    إذا قيل لي : ستموتُ هنا في المساء
    فماذا ستفعل في ما تبقَّى من الوقتِ ؟
    ـ أنظرُ في ساعة اليد /
    أشربُ كأسَ عصيرٍ ،
    وأَقضم تُفَّاحَةً ،
    وأطيلُ التأمُّلَ في نَمْلَةٍ وَجَدَتْ رزقها ،
    ثم أنظر في ساعة اليدِ /
    ما زال ثمَّة وقتٌ لأحلق ذقني
    وأَغطس في الماء / أهجس :
    "لا بُدَّ من زينة للكتابة /
    فليكن الثوبُ أزرق"/
    أجْلِسُ حتى الظهيرة حيّاً إلى مكتبي
    لا أرى أَثر اللون في الكلمات ،
    بياضٌ ، بياضٌ ، بياضٌ...
    أُعِدُّ غدائي الأخير
    أَصبُّ النبيذ بكأسين : لي
    ولمَنْ سوف يأتي بلا موعد ،
    ثم آخذ قَيْلُولَةً بين حُلْمَينْ /
    لكنّ صوت شخيري سيُوقظني ...
    ثُمَّ أَنظرُ في ساعة اليد:
    ما زال ثَمّةَ وَقْتٌ لأقْرأ /
    أَقرأ فصلاً لدانتي ونصْفَ مُعَلَّقَةٍ
    وأرى كيف تذهب مني حياتي
    إلى الآخرين ، ولا أتساءل عَمَّنْ
    سيملأُ نُقْصَانَها
    ـ هكذا ؟
    ـ هكذا
    ثم ماذا ؟
    ـ أمشّط شَعْري ،
    وأرمي القصيدة... هذي القصيدة
    في سلة المهملات
    وألبسُ أحدث قمصان إيطاليا ،
    وأُشَيّع نفسي بحاشِيَةٍ من كَمَنْجات إسبانيا
    ثُمَّ أمشي إلى المقبرةْ !
    #محمود_درويش #خالد_عطير

Комментарии • 234