من أحمد إبراهيم إلى الأخ العزيز السيد أحمد الكاتب المحترم، أشكركم جزيل الشكر على جوابكم الكريم وأقدر وقتكم الثمين. اسمحوا لي، مع شديد الاحترام، أن أعلّق على ما يلي: إنه لمن المؤسف حقًا أننا لا نملك حاليًا أي طريق موثوق للوصول إلى هذا التراث القيّم إلا عبر الكليني، والصدوق، والطوسي، وشيوخهم مثل محمد بن يحيى، وأحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن إبراهيم القمي ووالده، والبرقي، ومحمد بن الحسن الصفار، وابن الوليد، وغيرهم من الرواة. لذلك، فإن التشكيك في مصداقيتهم واتهامهم باختلاق روايات الإمامة يسري إلى التشكيك في صحة ما نقلوه في مجال الشرائع والعقائد والأخلاق، نظرًا لوحدة الأصول والطرق. وهذا سيؤدي بلا شك إلى تقويض كامل لهذا التراث، والإطاحة بمذهب صحيح الإسناد إلى أهل البيت. أمّا إذا سلّمنا بأخذ تراث أهل البيت من هذا الطريق الحصري، فسوف يصبح من المستحيل تجاهل وجود روايات مسندة عن الإمامة إلى الباقر والصادق والرضا، والتي نُقلت بنفس الطرق التي نُقلت بها روايات الأحكام الشرعية. هذه الروايات ليست عزيزة أو آحاد، بل أشبه بنظام وشبكة متماسكة بفضل كثرتها، وقوة أسانيدها، وتعدد طرقها، وتقاطع مضامينها، حتى عند تطبيق أشد معايير التحقيق الرجالي والدرائي صرامة. الحقيقة أنها جاءت من أوثق سلاسل الإسناد! بل يكفي تبنّي الأئمة من بعد الباقر لها حيث أن ذلك حوّلها من مجرد رواية إلى دراية. وعليه، فمن غير المنطقي أن تكون كل هذه الروايات من صناعة الغلاة. وعلاوة على ذلك، نجد أن موقف المحدثين القميين كان واضحًا من الغلاة، حيث رفضوا روايات مثل الشهادة الثالثة في الأذان، بينما قبلوا ونقلوا روايات مثل سهو النبي. كما أن الطوسي نفسه صرّح بأن روايات الشهادة الثالثة من شواذ الأخبار. أما تشبيه هذه الروايات بروايات تحريف القرآن، فهو تشبيه له وجهه من حيث الوفرة. إذ إن روايات التحريف كثيرة جدًا، وبعضها قائم على أسانيد قوية، لدرجة أنه يصعب رفضها تمامًا دون الإضرار بمصداقية النقل. لهذا السبب، تم إعادة تصنيف هذه الروايات، حيث صُنّف بعضها ضمن اختلاف القراءات، وأُعتبر بعضها تأويلاً، أو آيات منسوخة. وتم استبعاد الروايات ذات الأسانيد الضعيفة والفاسدة. وينطبق نفس المبدأ على التراث السني، حيث لم يرفض علماؤهم روايات تحريف القرآن بشكل كامل، لأن ذلك كان سيؤدي إلى التشكيك في الرواة، والطرق، والكتب، وضعف الثقة في عملية النقل. وبدلًا من ذلك، قاموا بتوجيه هذه الروايات وتصنيفها. وإذا قيل إن هذه الروايات تردّ لأنها تتعارض مع القرآن أو الواقع، فإننا نجد نظائر لذلك في التراث النبوي أيضًا. أما احتمال أن تكون نظرية الإمامة اجتهادًا شخصيًا للباقر، فهو احتمال حقيقي و واقعي للغاية. فالباقر يُعتبر أبو الإمامة و المؤسس الرئيسي لها. فلماذا نتجاهل مسؤوليته المباشرة ونلقي اللوم على الأشعري، والقمي، والكليني، والنعماني، والصدوق، والطوسي؟ هذا يشبه اتهام يوسف القاضي ومحمد بن الحسن الشيباني وتلاميذهم بوضع القياس، مع إعفاء أبي حنيفة من المسؤولية! والاختلافات في التفاصيل والمصاديق بين الفرق التي ظهرت بعد الباقر والصادق هي دليل إضافي على مسؤولية الباقر عن وضع أسس هذه النظرية. فقد أسّس لمفاهيم مثل: • “لا تخلو الأرض من حجة”، • “ليس لمحمدي فيها نصيب غيرنا”، • “هي في عقب الحسين وأعقاب الأعقاب”، • “إيانا عنى خاصة”، • “إذا بلغكم غيبة عن صاحب الأمر فلا تنكروها”، • “أولو الأمر هم الأئمة من ولد علي وفاطمة إلى يوم القيامة”، • “منا اثنا عشر محدِّثًا”، مثلنا مثل ذي القرنين وصاحب موسى وغيرها الكثير. وخلاصة القول، لا يمكن رفع اليد عن مسؤولية الباقر في وضع نظرية الإمامة، تمامًا كما وضع نظريات أخرى مثل البداء، والتقية، والمتعة، والأمر بين الأمرين. مع أطيب التحيات، أحمد إبراهيم
كيف تكون المذخب الشيعي وكم مذهب كان في عهد الصادق
من أحمد إبراهيم إلى الأخ العزيز السيد أحمد الكاتب المحترم،
أشكركم جزيل الشكر على جوابكم الكريم وأقدر وقتكم الثمين.
اسمحوا لي، مع شديد الاحترام، أن أعلّق على ما يلي:
إنه لمن المؤسف حقًا أننا لا نملك حاليًا أي طريق موثوق للوصول إلى هذا التراث القيّم إلا عبر الكليني، والصدوق، والطوسي، وشيوخهم مثل محمد بن يحيى، وأحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن إبراهيم القمي ووالده، والبرقي، ومحمد بن الحسن الصفار، وابن الوليد، وغيرهم من الرواة.
لذلك، فإن التشكيك في مصداقيتهم واتهامهم باختلاق روايات الإمامة يسري إلى التشكيك في صحة ما نقلوه في مجال الشرائع والعقائد والأخلاق، نظرًا لوحدة الأصول والطرق.
وهذا سيؤدي بلا شك إلى تقويض كامل لهذا التراث، والإطاحة بمذهب صحيح الإسناد إلى أهل البيت.
أمّا إذا سلّمنا بأخذ تراث أهل البيت من هذا الطريق الحصري، فسوف يصبح من المستحيل تجاهل وجود روايات مسندة عن الإمامة إلى الباقر والصادق والرضا، والتي نُقلت بنفس الطرق التي نُقلت بها روايات الأحكام الشرعية.
هذه الروايات ليست عزيزة أو آحاد، بل أشبه بنظام وشبكة متماسكة بفضل كثرتها، وقوة أسانيدها، وتعدد طرقها، وتقاطع مضامينها، حتى عند تطبيق أشد معايير التحقيق الرجالي والدرائي صرامة.
الحقيقة أنها جاءت من أوثق سلاسل الإسناد!
بل يكفي تبنّي الأئمة من بعد الباقر لها حيث أن ذلك حوّلها من مجرد رواية إلى دراية.
وعليه، فمن غير المنطقي أن تكون كل هذه الروايات من صناعة الغلاة.
وعلاوة على ذلك، نجد أن موقف المحدثين القميين كان واضحًا من الغلاة، حيث رفضوا روايات مثل الشهادة الثالثة في الأذان، بينما قبلوا ونقلوا روايات مثل سهو النبي.
كما أن الطوسي نفسه صرّح بأن روايات الشهادة الثالثة من شواذ الأخبار.
أما تشبيه هذه الروايات بروايات تحريف القرآن، فهو تشبيه له وجهه من حيث الوفرة. إذ إن روايات التحريف كثيرة جدًا، وبعضها قائم على أسانيد قوية، لدرجة أنه يصعب رفضها تمامًا دون الإضرار بمصداقية النقل.
لهذا السبب، تم إعادة تصنيف هذه الروايات، حيث صُنّف بعضها ضمن اختلاف القراءات، وأُعتبر بعضها تأويلاً، أو آيات منسوخة. وتم استبعاد الروايات ذات الأسانيد الضعيفة والفاسدة.
وينطبق نفس المبدأ على التراث السني، حيث لم يرفض علماؤهم روايات تحريف القرآن بشكل كامل، لأن ذلك كان سيؤدي إلى التشكيك في الرواة، والطرق، والكتب، وضعف الثقة في عملية النقل. وبدلًا من ذلك، قاموا بتوجيه هذه الروايات وتصنيفها.
وإذا قيل إن هذه الروايات تردّ لأنها تتعارض مع القرآن أو الواقع، فإننا نجد نظائر لذلك في التراث النبوي أيضًا.
أما احتمال أن تكون نظرية الإمامة اجتهادًا شخصيًا للباقر، فهو احتمال حقيقي و واقعي للغاية. فالباقر يُعتبر أبو الإمامة و المؤسس الرئيسي لها. فلماذا نتجاهل مسؤوليته المباشرة ونلقي اللوم على الأشعري، والقمي، والكليني، والنعماني، والصدوق، والطوسي؟
هذا يشبه اتهام يوسف القاضي ومحمد بن الحسن الشيباني وتلاميذهم بوضع القياس، مع إعفاء أبي حنيفة من المسؤولية!
والاختلافات في التفاصيل والمصاديق بين الفرق التي ظهرت بعد الباقر والصادق هي دليل إضافي على مسؤولية الباقر عن وضع أسس هذه النظرية. فقد أسّس لمفاهيم مثل:
• “لا تخلو الأرض من حجة”،
• “ليس لمحمدي فيها نصيب غيرنا”،
• “هي في عقب الحسين وأعقاب الأعقاب”،
• “إيانا عنى خاصة”،
• “إذا بلغكم غيبة عن صاحب الأمر فلا تنكروها”،
• “أولو الأمر هم الأئمة من ولد علي وفاطمة إلى يوم القيامة”،
• “منا اثنا عشر محدِّثًا”،
مثلنا مثل ذي القرنين وصاحب موسى
وغيرها الكثير.
وخلاصة القول، لا يمكن رفع اليد عن مسؤولية الباقر في وضع نظرية الإمامة، تمامًا كما وضع نظريات أخرى مثل البداء، والتقية، والمتعة، والأمر بين الأمرين.
مع أطيب التحيات،
أحمد إبراهيم